Sunday, February 15, 2009

قصيدة ابن ابي الحديد في الامام علي

يَا رسمُ لا رسمتكَ ريحٌ زَعزَعُ *** وَ سَرتْ بِليل في عَراصِكَ خروعُ
لَم الفَ صَدري في فؤادي بلقَعاً *** إلاَّ و أنتَ مِنَ الأَحبَّةِ بَلقَعُ
جَارى الغَمامَ مدَامِعي بكَ فَانثَنتْ *** جونُ السّحائِبِ وَ هى حَسرى ظُلّعُ
لاَ يحمكَ الهتنُ الملثُّ فَقَد مَحى *** صَبري دثُورُكَ مُذمَحتكَ الأربعُ
مَا تمَّ يومُكَ وَ هُوَ أسعدُ أَيمنٌ *** حَتَّى تبدَّلَ وَ هُوَ أنكدُ أشنعُ
شَروى الزّمانُ يضئُ صبحٌ مُسفرٌ *** فيهِ فَيشفعهُ ظَلامٌ أسقعُ
لِلّهِ دَرُّكَ وَالضّلاكُ يَقُودني *** بِيدِ الهَوى وَ أَنَا الحرونُ قَاتبعُ
يَقتادُني سكرُ الصّبابةِ وَ الصَبى *** وَ يصيحُ بي دَاعي الغرامِ فأسمعُ
دَهرٌ تَقوّضَ رَاحلا مَا عيب مَن *** عُقباهُ إلاَّ انهُ لاَ يرجعُ
يا أَيُّها الوَالدي أَجلَّكَ وَادياً *** وَاعزُ إِلاّ في حِمَاكَ وَ أخصَعُ
وَ اَسوفُ تربكَ صَاغِراً وَ اذُكُّ في *** تِلكَ الرُبى وَ أَنَا الجليدُ فَاخنعُ
أَسَفي عَلى مَغناكَ إِذْ هُوَ غَابَةٌ *** وَ عَلى سبيلكَ وَ هيَ لُجبٌ مهيعُ
أَيَامُ أَنجمُ تغصبٌ دريّهُ *** في غَيْرِ مَطلِع أوجه لاَتطلعُ
وَالبيضُ توردُ في الوَريدِ فَترتوي *** وَالسُّمرُ تشرعُ في الشِّكيمِ وَ تمرعُ
وَالربعُ أنورُ بِالنَّسيمِ مضمّخٌ *** وَالجوُ أزْهرُ بِالعَبيرِ مُردّعُ
ذَاكَ الزّمانُ هُوَ رَوضةٌ مَمطُورةٌ *** أو مزنةٌ في عَارض لاَ تَقلعُ
قَد قلتُ لِلبَرقِ الَّذِي فَقُل لهُ *** أَتَراكَ تَعلمُ مَنْ بِأرضك مُودَعُ
فيكَ ابنُ عُمرانَ الكليمُ و بعدهُ *** عيسى يقفّيهِ وَ أحمدُ يتبعُ
بَلْ فِيكِ جبريلُ وَ ميكالُ وَ اسرافيلُ *** وَالمَلأُ المُقدّسُ أَجمَعُ
فِيكَ الإِمامُ المُرتضى فِيكَ الوَصيُّ *** المُجتَبى فِيكَ البَطينُ الأَنزَعُ
الضَّاربُ الهَامُ المقنعُ بالوغَى *** بِالخَوفِ للبُهمِ الكماةِ يُقنّعُ
وَالسّمهريةُ تَستَقِيمُ وَتَنحَني *** فَكأنّها بينَ الأَضَالِعِ أضلعُ
المترعُ الحَوضِ المدعدَع حيثُ لاَ *** وَاد يَفيضُ وَلاَ قليبٌ ينزعُ
وَمبددُ الأَبطالَ حيثُ تَألَّبُوا *** وَ مُفَرقُ الأَحزابَ حينَ تجَّمعُوا
وَالحبرُ يصدعُ بِالمَواعظِ خَاشِعاً *** حَتّى تَكادَ لَها القلوبُ و تصدعُ
حَتَّى إِذَا اسْتعَرَ الوَغى مُتلظيًا *** شربَ الدّماءَ بِغلّة لا تَنفَعُ
مُتجلببًا ثوبًا مِنَ الدّمِ قَانِيًا *** يَعلوهُ مِن نقعِ الملاحِم بَرقعُ
زُهدُ المسيحِ وفُتكةِ الدّهرِ الَّذِي *** أَودى بهِ كِسرى وفَوزُ تبّعُ
هَذَا ضميرُ العالمِ الموجودِ عَنْ *** عدم وَ سرّ وجودهِ المستَودعُ
هَذِي الأمَانَةُ لاَ يقومُ بِحملهَا *** خلقاءُ هَابطةِ وَ أَطلسُ أَرفَعُ
تَأبَى الجِبَالُ الشمُّ عَن تَقليدهَا *** وَ تضبح تيهاءٌ وَ تشفق برقعُ
هَذَا هُوَ النُّورُ الَّذِي عَذباتهُ *** كَانَتْ بجبهَة آدم تَتَطَلَّعُ
وَ شهابُ مُوسى حينَ أَظلَمَ لَيلهُ *** رُفعتْ لَهُ لألاؤهُ تَتَشعشعُ
يَا مَنْ لَه ردتْ ذكاءَ وَ لم يفزْ *** بِنَظيرها مِنْ قَبلُ إِلاَّ يُوشَعُ
يَا هازِمَ الأحزابِ لاَ يَثنيهِ عنِ *** خَوض الحمامِ مُدجَّجٌ و مُدرّعُ
يَا قَالِعَ البَابِ الَّذِي عَن هَزّها *** عَجزتْ أكفُّ أربَعُونَ وَ أَربَعُ
لَولاَ حدوثكَ قلتُ انّكَ جَاعِلُ *** الأرواحَ في الأشبَاحِ وَ المتنزعُ
لَوْلاَ مَماتكَ قُلتُ انّكَ بَاسِطُ *** الأرْزَاقَ تَقدرُ في العَطَاءِ وَ توسعُ
مَا العَالمُ العِلوي إِلاَّ تُريةٌ *** فِيها لجثّتكَ الشّريفَةِ مَوضعُ
أَنَا في مَديحكَ الكَنٌ لاَ أَهتدِي *** وَ أَنَا الخَطيبُ الهَزبريُ المصقعُ
أَأَقولُ فيكَ سُميدعٌ كَلاَّ وَلاَ *** حَاشَا لِمثلكَ أَنْ يُقالَ سُميدَعُ
بَلْ أَنتَ في يَومِ القِيَامَةِ حَاكِمٌ *** في العَالَمينَ وَشَافِعٌ وَ مُشفَّعُ
وَلقَد جهلتُ و كنتُ أَحذقَ عَالم *** أغرارُ عَزمكَ أَمْ حُسَامكَ أَقطَعُ
وَفقَدتُ مَعرِفَتي وَلستُ بِعارف *** هَلْ فَضلُ علمكَ أَمْ جَنابكَ أَوسَعُ
لي فِيكَ مُعتقدٌ سَأكشفُ سرّهُ *** فليصغِ أَربابُ النُّهى وَليسمَعُوا
هِيَ نفثةُ المصدورِ يُطفي بُردَهَا *** حَرُّ الصَبابَةِ فَاعذلُوني أودعُوا
يَا مَنْ لَهُ في أَرضِ قَلبي مَنزلٌ *** نِعمَ المُرادِ الرجبِ وَالمُتربعُ
أَهوَاكَ حَتَّى في حشَاشةِ مُهجَتي *** نَارٌ تَشبُّ عَلى هَواكَ وتَلذعُ
وَتَكادُ نَفسي أَنْ تَذُوبَ صَبابَةً *** خلقاً وَطبعاً لاَ كمنْ يَتَطبعُ
_______________________________
1- زعزع: الشديد - الخروع: الناعم.
2- الهتن: المطر المتتابع.
3- أسفع: سواد مائل إلى الحمرة.
4- الحرون: الواقف.
5- المهيع: الواسع.
6- البهم: الشجاع.
7- السمهرى: الرم
_________
اللهم صلي على محمد وآل محمد

No comments: